باحثون في التاريخ والفلسفة يُفككون كتاب رحال عبوبي “حكايات أبطال من أحواز الشاوية”

متابعة زكرياء عريف
نظّمت جمعية بنسليمان لحفظ الذاكرة والمجال وجمعية الأحمر بنمنصور للثقافة والتنمية والبيئة ندوة فكرية بعنوان: “المتخيل الجمعي وبناء القيم والتاريخ: قراءة في كتاب حكايات أبطال من أحواز الشاوية“ للأستاذ رحال عبوبي، وذلك يوم السبت 17 ماي 2025 بدار الشباب ببنسليمان، ابتداءً من الساعة الخامسة مساءً.
افتُتحت الندوة التي سيرها الأستاذ مروان حمريط الباحث في التاريخ بكلمات ترحيبية قدّمها كل من ذ. رشيد كرايد، رئيس جمعية بنسليمان لحفظ الذاكرة والمجال، وذ. حميد المباركي، الكاتب العام لجمعية الأحمر بنمنصور، حيث استعرضا السياق العام لهذا النشاط الثقافي وأهدافه، مؤكدَين أنه يندرج ضمن إطار التعاون المشترك بين الجمعيتين واهتمامهما المشترك بالشأن الثقافي وحفظ التراث المحلي والجهوي.

عقب ذلك، قدّم الأستاذ رحال عبوبي مؤلفه “حكايات أبطال من أحواز الشاوية”، موضحًا أن هذا اللقاء يندرج ضمن جهود ردّ الاعتبار لفرسان الشاوية، مستحضرًا شخصيات بارزة من رموز المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، مثل: القرشي بن الرغاي، الأحمر بنمنصور، ومسعود ولد رحيمو، مشيرًا إلى معاركهم البطولية كـمعركة بير الورد. كما سلّط الضوء على شخصيات أخرى بارزة تناولها الكتاب، من ضمنهم: صالح بن طريف، المؤسس الفعلي للإمارة البورغواطية، التي طواها النسيان رغم آثارها التاريخية في مدن مثل آنفا، شالة، ومجوس (منطقة قروية بجماعة مليلة تزخر بآثار تعود للعصر البورغواطي). كما توقف عند شخصية الأحمر بنمنصور، المقاوم الشرس للاستعمار الفرنسي (سنوات 1907 و1908)، إلى جانب أعلام بارزين في الحركة الوطنية، مثل: الحمداوي، الكنوني، والمهدي بن بركة.
مداخلة د. نور الدين فردي: الرواية بين المتخيل والكتابة التاريخية
في المداخلة الأولى، قدّم المؤرخ والمترجم د. نور الدين فردي قراءة بعنوان: “رواية حكايات أبطال من أحواز الشاوية بين المتخيل والكتابة التاريخية“، حيث أبدى مجموعة من الملاحظات، مؤكّدًا أهمية العمل الروائي في بناء الوعي التاريخي، خاصة في ظل الفراغات التي تشوب بعض الفترات الغامضة من تاريخ الشاوية. واعتبر أن الرواية تمثّل مدخلًا لسد هذه الفجوات، على غرار ما فعله بعض المؤرخين مثل عبد الله العروي وأحمد التوفيق.

أوضح فردي أن رواية عبوبي تتقاطع مع ثلاث محطات كبرى في تاريخ المغرب، أبرزها المرحلة البورغواطية، التي يشوبها الغموض وقلّة المصادر، حيث إن أغلب الروايات المتوفرة حولها تصدر عن جهات معارضة كالموحدين والمرابطين، وتقدّمها كجماعة خارجة عن الدين. وفي ظل غياب البحث الأثري، -يؤكد الباحث- يمكن للمتخيل أن يُسهم في صياغة سردية بديلة، كما فعل شعيب حليفي في كتابه سبع رسائل إلى صالح بن طريف، وهو ما نهجه عبوبي كذلك.
في الباب الثاني من الرواية، اعتمد عبوبي على الرواية الشفوية بحكم انتمائه للمنطقة واحتكاكه بسكانها، وقد أسعفه في ذلك -كما جاء على لسان المؤرخ نور الدين فردي- حرص قبيلة المذاكرة على المحافظة على ذاكرة المقاومة أكثر من غيرها، معتبرًا أن الفضاء الغابويالذي تتميز به هاته القبيلة يوفّر شروطًا أوفر لحفظ الذاكرة مقارنة بالمجال السهلي. ومن بين المؤسسات التي ساهمت في هذا الحفظ مؤسسة الرمى العسكرية، التي ضمّت مختلف القبائل المقاومة، والتي سعت فرنسا إلى تفكيكها وتحويلها إلى مجرد مظهر فلكلوري (كما في التبوريدة)، مع اعتماد وسائل أخرى لطمس الذاكرة، مثل التعليم.
أما في الباب الثالث، فيرى فردي أن عبوبي تجاوز التأريخ إلى الإبداع، معتبرًا أن الكاتب هو من سلالة الحركة الوطنية (أجيال الستينات والسبعينات..)، ومُشبّع بتراث الأساتذة والساكنة. وقد أبرز في هذا القسم قدرته الإبداعية، وعبّر عن مواقفه بشكل واضح، متجاوزًا القيود الوثائقية.
مداخلة محمد بن الشيخ: بين الوقائع والقيم
أما المداخلة الثانية، فقد قدّمها الأستاذ محمد بن الشيخ، الفاعل الثقافي وأستاذ الفلسفة، بعنوان: “حكايات أبطال من أحواز الشاوية بين الوقائع والقيم“، تناول فيها العمل من زاوية فلسفية، محددًا ثلاث لحظات مفصلية في شكل حكايات: لحظة التأسيس، لحظة الانبعاث، ولحظة الامتداد، متوقفًا عند القيم المؤطرة لكل منها.

ففي لحظة التأسيس –أي زمن صالح بن طريف–، تتمثل القيم في رفض الظلم والدفاع عن الكرامة، وهي قيم ذات مرجعية إسلامية رغم اتهام البورغواطيين بالبدعة. وفي لحظة الانبعاث، يظهر الأحمر بنمنصور كبطل مقاوم، تقوده قيم دينية تؤطر السلوك الجمعي، حيث تشكّل العقيدة الرابط الأهم في في التعامل مع الأجنبي، كما تؤكده مقتطفات متعددة من الكتاب.
أما في لحظة الامتداد، التي تبدأ منذ سنة 1944، فتبقى القيم الدينية حاضرة، كما يتجلى في أرجوزة الكنوني، التي تحفّز على الجهاد ومقاومة المستعمر عبر تعبئة الوجدان الديني.
واختتم المتدخل مداخلته بطرح أسئلة نقدية حول العلاقة بين القيم الكونية والخصوصية الثقافية، رافضًا الفصل الحاد بينهما، ومؤكدًا صعوبة الجمع بين ادعاء الكونية والحق في الاختلاف، مشيرًا إلى حدود كل من الطرح الإسلامي والعلماني في هذا الباب.
ختام الندوة
في نهاية الندوة، فُتح باب النقاش أمام الحضور، وتم توزيع شواهد تقديرية على المشاركين، وسط إشادة عامة بقيمة اللقاء وغنى النقاشات التي أثارها الكتاب.